بقلم خالد عبد الرحمن العوض
لم يمر خبر وفاة الشيخ صالح المقيطيب رحمه الله عليّ كأي خبر يمكن أن تسمع مثله كل يوم رغم أنه رحمه الله لا يعرفني بصفة شخصية. كانت وفاته بمثابة صدمة للذاكرة التاريخية التي أحملها في التفاعل مع تلاوته العذبة للقرآن الكريم في المسجد الذي يصلي فيه ببريدة. لقد أمضيت وقتاً طويلاً وصوته يصاحبني في السيارة أو في اللحظات التي أحتاج أن أسمع فيها للقرآن الكريم. كل هذا الوقت صنع ذاكرة تتفاعل فيها المعاني الكبيرة للآيات الكريمات مع صوته العذب وصورة الشيخ الكبير الذي يتمتع بالحكمة والخبرة ورجاحة الرأي.
تبتعد محافظة الأسياح، حيث أسكن، عن مسجده قرابة 100 كم تقريباً ( تزيد أو تنقص قليلاً) إلا إن هذا المشوار لم يكن يمنعني أن أمتطي سيارتي في بعض ليالي رمضان لأقصد مسجده للاستمتاع بالجو الجميل النادر الذي يخلقه الشيخ صالح في مسجده الهادئ البعيد. لم أكن أشعر أن الوقت يمر عندما كنت أقف خلفه كمأموم في أقصى الصف مستمعاً بكل جوارحي لصوته الرخيم وهو يتلو القرآن الكريم بطريقة قل أن تجد لها مثيلاً في عالمنا.
كانت بريدة في التسعينات الميلادية تعج بأصوات المقرئين الغضة ذوي الأعمار الشابة وكانت أشرطتهم الصوتية تملأ المكتبات الصوتية آنذاك وكنت أشعر بالإحباط عندما لا أرى نفس الشيء للشيخ المقيطيب. استطعت العثور فقط على تسجيلين فقط لسور هود ويونس والزخرف والقمر من مكتبة تسجيلات أحد الصوتية حيث كانا الرفيق لي في الطرق الطويلة. كنت أجد متعة غريبة في الاستماع له إذ على الرغم من أنه كان قد تجاوز الستين وقتها إلا إنه كان يتمتع بصوت مدهش يأخذك في عوالم خاشعة تصلك فيها آيات القرآن الكريم صافية عذبة كما لوكنت تسمعها لأول مرة.
لا يقرأ الشيخ صالح القرآن الكريم على طريقة عبد الباسط عبد الصمد أو محمد صديق المنشاوي أو غيرهما من القراء العرب أو حتى القراء المحليين الشباب. كانت قراءته من نوع مختلف نادر. كان يقرأ القرآن بطريقة سهلة ممتنعة مصحوبة بصوت عميق نادر تمزج بكل اقتدار بين القديم والجديد فتنتقل كمستمع مع معاني الآيات الكريمات إلى فضاء روحي واسع يبعث على الخشوع والسكينة . إنه صوت الشيخ الوقور الذي لا تملك إلا أن تنصت له بوعي وتدبّر.
كنت أدخل المسجد في صلاة التراويح وأغيب في طرف الصف مع الآيات الكريمات التي تنبعث بصوته عبر المايكرفون كأجمل ما يكون. لم يكن الشيخ صالح ليعرفني لو ذهبت للسلام عليه لكنني كنت أعرفه جيداً . ربما كنت الزائر الوحيد المجهول الذي لا تعرفه جماعة المسجد أو هكذا كنت أعتقد فقد كنت أدخل للصلاة مع الشيخ صالح وأخرج من المسجد دون أن يلحظني أحد سعيداً بالجرعة الروحية المكثفة من القرآن العظيم التي كنت أحتاجها ويحتاجها أي إنسان يعيش في مثل هذا العصر المادي المجنون الذي نعيشه.
رحم الله الشيخ صالح المقيطيب وأسكنه فسيح جناته.
هذا يتطلب البحث عن تسجيل للشيخ لسماع صوته ، غفر الله له ، وبارك الله فيك
جزاك الله كل خير ..
يمكنك كتابة اسمه في اليوتيوب وستظهر لك بعض تسجيلاته القليلة.
لافض فوك د/ خالد العوض ورحم الله الشيخ صالح واسكنه فسيح الجنان
شكراً لك دكتور خالد وسلمت أناملك
فأنتم شهداء الله في أرضه رحمه الله رحمةً واسعة
فالشيخ صالح جدي لأمي
كما أشكر الأستاذ فهد الحري الذي أرسل لي هذه المقالة
بورك فيكم وفي وفائكم.?
رحم الله الشيخ صالح المقيطيب
من أجمل ما قرأت
مقال يخاطب الروح قبل العقل