” رغم أنني شعرت بالاستياء من آراء الآنسة هاريسون ، وأساليبها التعليمية ، الا أنها على الأقل امرأة غربية تنحاز إلى ناوومي ، وتقول عنها انها ذكية . وهذا ما كنت آمله ، وقد سررت ، رغما عني ، كما لو ان السيدة هاريسون تمتدحني أنا شخصيا . ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل إنني شعرت بالضعف ، مثل معظم اليابانيين ، عندما يواجهون الغربيين ، وفقدت شجاعتي في التعبير عن وجهات نظري بوضوح ، ولم اقل ما كان ينبغي ان اقول.” – جونيتشيرو تانيزاكي
* * *
” قبل الحرب كان الكتاب اليابانيون يقدمون الحياة الخام للمجتمع الياباني بتقاليده الخاصة ، أما اليوم فالشعب الياباني يشعر بالحرية . أصبح الناس ماديين واغنياء ولا يريدون شيئا سوى الاستمتاع بالحياة لأقصى حد ، لكن كل هذا الاستمتاع والحرية اصطناعي زائف . هذا ينعكس أيضا على الكاتب فليس هناك مادة خام يكتب عنها لأن حياته ايضا اصبحت اصطناعية وزائفة وطعام معلّب . لهذا وصلت إلى الاقتناع بضرورة البحث عن شيء أصيل في مجتمعنا . أريد أن ألمس النار ، لكن لا نار في حياتنا الحاضرة . من هو الشخص في الأسطورة اليونانية الذي أخذ النار من الجبل ؟ نعم، بروميثيوس . أنا اريد ان اكون بروميثيوس” – يوكيو ميشيما
* * *
هناك اديبين يابانيين قد حازا على جائزة نوبل في الأدب هما كاواباتا صاحب ” الجميلات النائمات ” وكنزابورو، غير أن الحديث اليوم عن كاتبين روائيين مهمين في الأدب الياباني هما تانيزاكيTanizaki وميشيماMishima وسنركز على الأخير هذا الذي قال عنه كاواباتا نفسه أنه اكثر موهبة منه وهو من الكتاب الذين لا يأتون الا مرة كل ثلاثمائة سنة .
يبين تانيزاكي في الاقتباس الأول أعلاه والذي أخذ من روايته ” عشق الأبله ” والتي ترجمت إلى اللغات الأوروبية تحت اسم ” فتاة اسمها ناوومي” مدى الضعف الذي يعتري الشخصية اليابانية في تعاملها مع كل ما هو غربي . هذه الرواية تتحدث بشكل واضح عن أثر انجراف الشباب الياباني نحو الحياة الغربية ومحاولتهم تقليد كل ما هو امريكي وابتعادهم عن التقاليد اليابانية ، أي أن الأدب هنا جاء لكي يثبت الواقع الذي تحدثنا عنه في المقالات المنشورة هنا في هذه المدونة .
أما ، ميشيما ، صاحب الاقتباس الثاني اعلاه ، فهو اهم كاتب ياباني على الاطلاق حاول ان يبين خطر مثل هذا التوجه ، أي تقمص الحياة الغربية والمتمثلة في أمريكا التي خاضت معها حربا راح ضحيتها آلاف اليابانيين . لم يكتف هذا الكاتب باستخدام رواياته وقصصه واشعاره في الدعوة إلى العودة إلى الجذور اليابانية وشخصيتها المستقلة ونبذ هذه الحياة الاصطناعية الزائفة القادمة من الغرب ، بل انه حوّل حياته كلها إلى نوع من الرمز للشخصية اليابانية حيث مات على الطريقة اليابانية والمنتشرة بين طبقة الساموراي Samurai الحاكمة في عهد اندو حيث يشق المحارب الياباني بطنه بنفسه بالسيف بشكل أفقي من اليسار إلى اليمين ثم يشقه إلى اعلى من بعد ذلك ، وهو ما يعرف بأسلوب السيبوكو او الهاراكيري Hara-kiri .
ميشيما والذي يُعتبر عند اليابانيين مثل ارنست هيمنجواي عند الأميركيين كتب العديد من الروايات القوية لعل أهمها آخر ما كتبه وهي ثلاثية ” بحر الخصوبة ” والتي انهاها قبل ان يشق بطنه بالسيف أمام أكثر من ألف عسكري كانوا يسمعون خطابا عاطفيا القاه امامهم بعد أن سيطر على مكتب الجنرال العسكري في أحد المواقع العسكرية الرئيسة في طوكيوعام 1970 م .
انتقد مشيما في خطابه هذا الذي استمر أكثر من عشر دقائق هشاشة الدستور الياباني بعد الحرب العالمية الثانية الذي يمنع الحرب ، وقد تفاجأ اليابانيون من هذا الحدث الكبير إلى الدرجة التي اعلنوا فيها حالة التأهب لمواجهة ما قد يخلفه مثل هذا الأمر من احتجاجات واعمال عنف ، كما أنهم أرسلوا تطمينات إلى حلفائهم خارج اليابان يهمّشون هذا الحدث ويقللون من أهميته .
لقد كان ميشيما ممزقا بين الشرق والغرب فقد كان يسكن فيلا ايطاليه فاخرة ، كما أنه ارسل زوجته إلى مدرسة طبخ غربية ويتصل مع الغربيين من دون اية مشاكل ؛ لكن رواياته كانت في الوقت نفسه مليئة باحتقار كل ما هو غربي في اليابان اذ انه يرى ان التأثير الغربي قد أفسد اليابان وسلبها روحها الصافية وقيمها الماضية .
يمثل الدم و الاغراق الكامل بالموت احد أهم الأفكار الرئيسة التي تمتلء بها الروايات اليابانية ويمتد ذلك ايضا إلى حياة الأدباء انفسهم ، ليس فقط عند ميشيما ، بل ان هناك أدباء آخرين قضوا نحبهم بايديهم وبنفس الطريقة وهم صاحب نوبل كاواباتا ، وأكوتاجاوا Akutagawa ودازاي Dazai الذي فشل ثلاث مرات قبل أن ينجح في المرة الرابعة .
هل هذه النهاية المأساوية لهؤلاء الأدباء ردة فعل حقيقية للسيطرة العسكرية والثقافية للغرب والمتمثلة بأمريكا ام أن الأمر فقط فراغ روحي ليس إلا !