مقتطفات من قصة قصيرة بهذا العنوان للكاتبة الكندية أليس مونرو
تورّدت بشرتها المليئة بالنمش من أثر الاستحمام، وكان شعرها الداكن مبلّلاً بالمياه … وقالت إنها بالفعل جائعة، ولكن عندما همّت لتناول قطعة من البيض المقلي، جعلت يداها المرتعشتان ذلك الأمر مستحيلاً.
“لا أدري لِمَ أرتعد من الخوف هكذا، فمن المفترض أن أشعر بالإثارة. لم أتوقع أن يكون الأمر بهذه السهولة.”
قالت سيلفيا: “جاء الأمر بصورة مفاجئة تماماً، ربما لا يبدو وكأنه أصبح أمراً واقعاً الآن.”
“رغم كل شيء يبدو أنه بالفعل أمر حقيقي الآن، أما قبل ذلك فقد كنت في ذهول.”
“ربما عندما تقررين فعل شيء. عندما تقررينه حقاً يكون الأمر على هذا النحو أو هكذا يجب أن يكون.”
….
من رحلة الصباح الباكر كانت تعرف جيداً ماذا تركت وراءها، حتى وإن لم يكن لديها سوى فكرة مبهمة عما ستذهب إليه. لقد كرهت والديها، ومنزلها والفناء الخلفي، ومجلدات صورهم وعطلاتهم ومستلزمات المطبخ …
كانت تبكي الآن؛ اغرورقت عيناها بالدموع من دون أن تدري، وأخذت تفكّر في تورنتو، وأولى خطواتها القادمة هناك …
لم تستطع تخيّل نفسها هناك، وهي تركب قطار الأنفاق أو الترام … وهي تتحدث إلى أشخاص جدد، تحيا على نحو يومي وسط حشود من البشر…
والشيء الغريب والمفزع الذي ظهر جلياً أمامها بشأن ذلك العالم المستقبلي، كما تتخيله الآن، هو أنها لن تكون موجودة فيه؛ فقط ستتجوّل هنا وهناك، ستفتح فمها وتتحدث، ستفعل هذا وذاك، ولكنها لن تكون جزءاً منه في حقيقة الأمر؛ لن تنتمي إليه. والغريب والمتناقض في ذلك هو أنها تفعل كل هذا، وتستقل تلك الحافلة على أمل استعادة نفسها …
استطاعت أن تتوقف عن البكاء، ولكن سَرَت في جسدها رعدة. كانت في حالة سيئة، ولكن كان عليها أن تكون أكثر قوة. كان عليها أن تتماسك …
ومع شعورها بأن حياتها في خطر، أخذت تدفع بكل جسمها وأطرافها التي كانت كالحديد الثقيل إلى الأمام وراحت تتعثّر في خطاها وهي تنادي سائق الحافلة بأعلى صوتها:”أنزلني هنا.”
“اعتقدت أنك ذاهبة إلى تورنتو؟” رمقها الناس بنظرات مليئة بالفضول، ولم يكن لأحد أن يدري بكم الألم الهائل بداخلها.
“يجب أن أنزل.”
“هل أنت مريضة؟”
“لا، لا، أريد أن أنزل فحسب.”
“حسناً، لا بأس.”