مقال كتبه رسل سميث
العالم الأدبي يختلف قليلا عن الفنون التشكيلية لكنه يواجه نفس الأسئلة المتعلقة بالجمهور والنقد . لقد أحسست بالإحباط من تلك المراجعات التي يكتبها أولئك الأفظاظ غير المتعلمين والذي لا يملكون أي اهتمام بالنص الأدبي والتاريخ ، وبالإحباط أيضا من بتلك المراجعات التي يكتبها من سيكونون كتاب أعمدة صحفية هي أقرب الى الهجوم الشخصي منها الى النقاشات الأدبية.
لا أعرف كاتبا واحدا لا يشتكي من الحالة السيئة التي وصلت اليها مراجعات الكتب ومنح الجوائز في كندا، و من الحالة التي وصل اليها النقاد وذلك من حيث أساليبهم الأخلاقية ، وبعدهم عن التجديد وتقواهم الزائدة . نحن نستنكر البرامج الأدبية التلفزيونية المتواضعة المستوى . كل ما ازدادت معرفتك بموضوع ما كلما زاد ذلك من ذائقتك الأدبية ولذلك نحن نقول نفس الشيء الذي يقوله الفنان التشكيلي: نحن نريد نقادا من عالمنا ونريد نقادا مفكرين .
وكل الفنون المعاصرة تتجه الى لوم الجمهور غير المتعلم في فقدان شهرة العمل الأدبي والنجاح النقدي له. هذه ليست فكرة جديدة بل سبق للشاعر والت ويتمان أن كتب في عام 1881 : ” لكي يكون لديك شعراء عظماء فإنه يجب أن يكون هناك أيضا جمهورا عظيما.” إنه الحل المقترح لمشكلة اختفاء الجمهور.
لقد سمعت من مخرجي المسرح والمؤلفين الموسيقيين والشعراء تأكيدهم على أن انقاذ العمل الفني والأدبي لا يكمن في تغيير الفن نفسه بل يكمن في تغيير الجمهور، ذلك الجاهل الغبي الذي ينتظرنا لكي نمذهبه على طريقتنا ونخبره الطريقة التي يرى فيها الأشياء. ومن هنا جاءت كلمات مثل التواصل مع الجمهور أو البرامج التلفزيونية التي تعلم الجمهور كيف يتعاطى الفن أو الأدب.
لذلك هم يفترضون أن الفن أو الأدب لا يمكن فهمه بسبب فشل هذا الجمهور الجاهل وأنه لا مانع من الاعتماد على المحاضرات التلقينية والأدلة المساعدة على فهم العمل الأدبي.
هناك أيضا مواقف أكثر عدائية لهذا الاتجاه من قبل التجريبيين في العالم الأدبي حيث التقيت بالشاعر الكندي المشهور كريستيان بوك وسألته عن الجمهور والشعر الأكاديمي فأجاب بصراحة شديدة أنه لا يحتاج الى جمهور كبير فهو يكتب لخبراء في مجاله فقط . ولم لا ؟ فقد استهلك وقتا كبيرا لكي يفهم هو العمل الذي بيده ويتفاعل معه، وسيحتاج القارىء بدوره الى سنوات من الدراسة لكي يفهموه هو.
الطبيب الذي يحمل الدكتوراة يقدم عمله أو بحثه المتخصص فقط في مؤتمرات تجمع حملة دكتوراة مثله. لماذا لا يطبق الأدباء نفس هذا الموقف؟ يقول بوك أن العقبة الكبرى التي تقف في وجه الأدب الآن هي الجمهور.
لكن كتاب بوك، بشكل غير متوقع، جذب جمهورا واسعا وحقق مبيعات ضخمة وصلت الى أكثر من 15000 نسخة وهو رقم لم يسمع به في الشعر الكندي، وفاز ايضا بجائزة جريفن البالغة 40000 دولارا.
سألت بوك عما إذا كان قد غير رأيه في أن الجمهور هو عقبة الأدب أو الفن، رغم أنه لم يكن كذلك في حالته هو فأجاب أنه لا ينكر أنه استمتع بالنجاح الذي حققه كتابه، لكنه لم يتراجع عن رأيه في أن الجمهور هو عدو الأدب أو الفن.” أذا أقدمت على عمل أدبي جديد وابداعي فان هذا أيضا يعني أنك تغامر في ارضاء الجمهور الذي يتوقع شيئا تقليديا معينا. ”
إذن ، هل نقبل بالدفاع الذي يقول به الأدباء من الدرجة الثانية وهو أن النقاد أنفسهم ليسوا متعلمين بما فيه الكفاية؟ أجاب بوك بالنفي قائلا: ” لا ينبغي أن يكون هذا تبريرا للعمل الأدبي الرديء.”
أعتقد أن هذا موضوع معقد ، لكني أتفق معه بكل تأكيد .